الدسترة و ماذا بعد؟
الأمازيغية في الهامش
بقلم : الغازي لكبير
يعتبر الدستور، في كل بلدان المعمور، أسمى قوانين البلد. ينظم الاختصاصات و يضبط العلاقات بين السلطات، و يحدد حقوق و واجبات الأفراد و الجماعات. و بهذا الشكل يكفل في نصوصه الحق و يصونه و يضمن العدل و يدعمه.
لماذا إذن، وفقا لهذا التعريف ، لم يتم انصاف الأمازيغية و لم يتم إحقاق حقها حتى و لو احتمت بأسوار التوثيق؟
هل تم استدراجها لحجزها بين جدران النصوص و موادها الإسمنتية؟
أليس شأن الأمازيغية أفضل بكثير قبل الدسترة مقارنة بحالها بعد ولولوجها وثيقة التشريع؟
هل أخطأت الحركة الأمازيغية عندما وضعت سقف مطالبها في الدسترة؟
بماذا يمكننا تفسير كمون الحركة في الآونة الأخيرة و سكونها؟
هل اطمأنت الحركة عن الأمازيغية بادخالها من الباب الأول في الدستور؟
أسئلة عديدة و متنوعة تتدافع في ذهن كل متأمل لوضع الأمازيغية في بلادنا خلال السنوات الأخيرة. و هي في نفس الوقت استفسارات تلاحق كل غيور على الوطن بالخصوص وعلى هوية شمال افريقيا و ثقافته على العموم.
إن ترسيم الأمازيغية و تهميشها في نفس الآن، يجعل المسؤولية على عاتق الدولة عموما و على الحكومة التي كانت في التدبير بشكل خاص. فبعد محاولة ادماج الأمازيغية في التعليم و الإعلام بالخصوص قبل الدسترة، تراجعت الحكومة عما تحقق بغض النظر عن تواضعه. و قد اتضح هذا بالملموس عندما قررت الحكومة ارجاء مراسيم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية إلى اللحظات الأخيرة من حياتها، بالإضافة إعداد مخطط بمضامين ترهن الأمازيغية لمدة عشرين سنة بعد أن رهنتها سابقا مدة انتدابها. أما في المجتمع، فقد سخرت كل امكاناتها للتشهير بالمناضلين الأمازيغ و تسويد صورتهم في المجتمع، فكم من إمام مسجد حرم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية و كفر من يحتفل به، و كم من مدير مدرسة حذف حصص اللغة الأمازيغية و عوضها بمواد أخرى و كم من استفزازات تعرض لها الأمازيغ في تواصلهم اليومي!
لكن، و رغم كل هذا و ذاك، لا ينبغي إلقاء اللوم كله على الحكومة، لأن الحزب الإسلاموي الذي كان يترأس الحكومة المنتهية ولايتها كان ضد ترسيم الأمازيغية أصلا و ليس هذا سرا، كل المغاربة يعلمون ذلك. فلأمازيغ نصيبهم في ما آلت إليه أوضاغ لغتهم و ما وصلت إليه ثقافتهم و ما تعيشه من معاناة في السر و في العلن. فبعد قناعة الجميع بضرورة الفعل السياسي، ذهب كثير منهم يبحثون لهم عن موطن قدم في الأحزاب السياسة و يقدمون في المقابل تنازلات تضر لغتهم و تفسد ثاقتهم و تلحق أذى بهويتهم و بهم و هم لايشعرون. نعم، ليست الممارسة السياسية حكر على البعض و لا هي حرام على البعض الآخر، لكن لا يجوز أخلاقيا دوس الإرث النضالي الامازيغي من أجل انخراط في حزب يعتبر الأمازيغية آخر أواخر اهتماماته. فمن ينتقذهم يشك في امتلاكهم الشجاعة الكافية لإدراج الأمازيغية و همومها في أولويات تنظيماتهم الجديدة.
و حتى نكون منصفين، فقد ترشح و نجح في الانتخابات الأخيرة عدد لا يستهان به ممن يحسبون أنفسهم على الحركة الأمازيغية،لذلك في الممارسة على أرض الواقع، سيظهر حجم قيمتهم المضافة في الأحزاب التي ولجوها انطلاقا من المكاسب التي سيحققونها لصالح الأمازيغية.
هي تجربة ستبين مدى صحة الرغبة في خدمة الأمازيغية من داخل الأحزاب السياسية.
فبعد ولوجهم ميدان التدبير، بالرغم من أن الأمازيغة لا يمكن لها العيش في غياب الديموقراطية، يمكننا طرح بعض التساؤلات التي سوف لن تتأخر الإجابات عنها، لأن الواقع يكشف الحقائق فور ظهورها.
مَن مِن الأمازيغ سينتبه إلى الثقافة الأمازيغية و يجعل منها حجر الزاوية في مشاريعه المقبلة؟
مَن منهم سيزيل الغمة على الساكنة و يجعل الفضاءات تتكلم التاريخ و لا تخفي الهوية؟
مَن مِن النواب البرلمانيين سيترافع لصالح الأمازيغية و يكون صوت مَن لا صوت لهم؟
أما الأمازيغ الذين اختاروا الانتظار، يترقبون مجيء منقذ مجهول ليخلص الأمازيغية من ضائقتها، أذكرهم بالقول الأمازيغي المأثور التالي ⵀⴰⵏ ⵃⵎⴰⴷ ⵓⵄⵍⵉ ⵓⵔ ⵜⵉⵏⵏ ⵉⵇⵇⵉⵏ ⴰⴷ ⵉⵣⵔⵢ
معناه، أن الانتظار لا يجدي نفعا.