مغالطات رجل القش
بقلم : زهيــر اسليمـانــي
سنوات وأنا أتابع منشورات- ويصح ان تكون مناشير- جمعية مدرسي الفلسفة بالمغرب، من خلال صفحتها الرسمية على الفايسبوك، تكاد تلتقي كلها في سب الملة، والإساءة للمقدسات، والابتعاد عن القضايا البيداغوجية والديداكتيكية التي التامت من أجلها، وعن قضايا المغربي المعيشية، منشورات منها ما هو مضحك وينم عن غباء لا حدود له، كأن يبارك أحدهم عيد الفطر للإنسان كيفما كان؛ مسلما أو كافرا أو نصرانيا أو يهوديا أو زرادشتيا.. أو ملحدا، إذ يومن صاحبنا بالعيد ولا يومن بشروطه ومقتضياته، التي على رأسها صيام الأيام المعدودات، وهو ما لا يتحقق إلا بالايمان والإسلام، فكيف نفهم مباركة صاحبنا ومغالطته بحجم ثقب أسود..؟ وهذه واحدة من بين مئات المغالطات التي تكبر الثقب الأسود عمقا.. فيصدق على كثير من منتسبي الجمعية وصف مغالطات رجل القش!
مؤخرا، نشرت مكلفة بتدريس الفلسفة، مجازة في علم الاجتماع، إطار ابتدائي تكليف ثانوي، (سبق وسحب منها التكليف بسب صورها وتدويناتها المستفزة، تم أعيد تكليفها لسبب من الأسباب)، تجد صعوبات جمة في ضبط القسم، إذ سبق أن زارتها أكثر من لجنة لهذا السبب، وربما تفسير ردود أفعال التلاميذ راجع إلى ما تطرحه من أفكار جارحة لشعورهم كمغاربة وكمسلمين متعلقين بهويتهم ووطنهم..
نشرت الاستاذة المكلفة، تدوينة مسيئة للصادق الأمين، تطاولت فيها علنا عليه صلى الله عليه وسلم، مدعية ما يندى الجبين لذكره، وصادرة عن جهل عميق بمقاصد زواج سيد الخلق، العليا، من أم المومنين السيدة خديجة، التي تكبره بسنوات. ولكي لا أتطفل على محراب الأصولي والفقيه والمحدث، لن أخوض في هذا.. فما يهمني هو تهافت خطاب المعنية، وغلو فكرها وتنطعه، ومساسه بأمن المغاربة الروحي، ونأيه ومفارقته لواقع الشباب.
فالمحمول لا الحامل ما يهم، إلا من جهة الاستدلال به وعليه، والفكر يعكس موضوعاته واهتماماته، وقد يكون انعكاسا لحياة لا شعورية يحياها حامله، وربما لكبت خصوصا أن “الميمات” اللواتي يتحدث عنهن الشباب، يشبهن سميرة سعيدة أو لطيفة رأفت وليس أية “ميمة”!!
ذلك أن الحديث عن “الميمات” في سياق انتقاص فحولة الرجل العربي -والفحولة مفهوم إيروسي ذكوري قروسطي- وإعلاء قيمة النسوية، ينطوي على تناقض صارخ، فالفحولة تشكل قيمة بالنسبة إلى الرجل، فكيف لفكر محسوب على النسوية والتقدمية والحداثة، أن يشيئ المرأة أو يختزلها في كائن يفكر بفرجه، وأَمة طالبةً متعة مِما كان، فقط لأنها أرملة أو مطلقة أو عانس..؟ أهذا دفاع عن المرأة أم ازدراء لها؟ أهذه نسوية أم فحولة مسترجِلة أكثر من الرجل نفسه؟ أهذا حكم موضوعي أم تجربة ذاتية؟ أليس الحكم على الشيء جزء من تصوره؟
ولئن كان الفكر التقدمي الحداثي حر في الرأي – ويقدس الحقيقة- فإن الرأي ليس معيارا للحقيقة، إن لم تكن دراسات سوسيولوجية وثقافية ونفسية ..يسند ظهره الرخو إليها، مما يجعل –هذا الفكر- يفتقد العلمية، وتنقصه الموضوعية، فكيف لمن يدرس النشء التفكير النقدي والممارسة العلمية أن يكون هذا حاله؟ ما عساه يقول في الحجرة عن النظرية والتجربة؟ وعن علمية العلوم الانسانية؟ وعن الرأي والحقيقة؟ وعن الموضوعية والذاتية؟ الفكر الذي لا يستحضر الأطروحة والنقيض، والرأي والرأي الأخر، ويمسك بالفيل من كل جوانبه لا من خرطومه فقط لكي يعرفه، أي بأن يقول لنا إن هناك “ميمات” من الطبقة الراقية يعبرن الشارع بالكاتكات والرونج روفر، بحثا عن شاب يشبع رغبتهن، وبمقابل الخدمة.. فإلام يعزي الفكر -النقدي التقدمي دائما- مثل هذا السلوك؟ أإلى التاريخ والثقافة والمؤلفات الإسلامية أم إلى الفكر المادي وإلى فلسفة حقوق الانسان..؟
هذا الفكر الذي لم يراع مشاعر التلاميذ، ولا أسرهم التي تنتمي جلها إلى الدين القيم، وتجل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يحترم الوثيقة الدستورية التي تنص على صيانة ثوابت الأمة وتسهر على حماية مقدساتها، التي صوت لصالحها السواد الأعظم من المغاربة، ولا يحترم الوثيقة الحقوقية، التي تنص على احترام التعدد والاختلاف وعدم المس بالمعتقد والرموز الدينية.. هذا أمر لا يؤمن جانبه، فهو قد يخرق الدستور والقوانين والمذكرات ويمس بالثوابت والمقدسات، ولعل في هذا تفسير الشغب الحاصل في حجرات بعض الأساتذة، وعدم تمكنهم من إدارة أقسامهم، فالتلميذ –مهما كان ضعيفا ومستهترا- بدهي إذا اطلع على تدوينة أو صورة مخلة أو ماسة بمقدساته، يجد مسوغا نفسيا وأخلاقيا، للثورة والانتفاض..
فهذا الفكر يستحق المتابعة القضائية والجزاء القانوني، فهو يهدد أمن المغاربة الروحي، ويثير القلاقل والفتن والعصبية، أكثر من حزب الله وإيران والمسلسات المكسيكية والتركية.. وهو ما يستوجب معه تحريك النيابة العامة، حتى تقول العدالة كلمتها، وتضمن لذوي الحق حقهم في السلام والأمن الروحي، وهو من صميم مهام الدولة وأجهزتها، وإذا تمت المتابعة، فينبغي الاستماع للتلاميذ، وإذا ثبت خرق المعنية للأطر والتوجيهات والمذكرات الرسمية.. فينبغي تحريك المساطر المعمول بها في هذا الشأن..
لكن، أفعلا ما يهم المغرب والمغاربة اليوم، في ظل كل هذه الأوضاع المتردية، هو قضية ميل الشباب إلى “الميمات” بغض النظر عن المرجعية والخلفية، وصدق الادعاء وبطلانه.. أهذه هي اهتمامت الفلسفة وجمعية مدرسيها بالمغرب، الجنس والبورنو والإيروسيا؟ أهؤلاء أساتذة التفكير النقدي، والتحليل العلمي، والمنهج الواقعي الملموس..؟ أليست هناك قضايا أهم بكثير من قضية “الفحل والمكحل” و”عودة الشيخ إلى صباه..” و”من قتل عقبة؟” أم إن القضايا الحقيقية للمغاربة، لا توجد في ردود ابن تيمية وفتاويه؟ ولا بالبخاري وصحيحه؟
وكومضة أخيرة، ومواجهةً للفكر المسيء -لسيد الخلق- مع نفسه، في مرآة مرجعيته التقدمية الحداثية الحقوقية؟ ماذا يقول الفكر النسوي التقدمي الحداثي، عن زواج “ماكرون” رئيس أعرق الديموقراطيات -حيث شرارة الأنوار والحداثة والعقلانية والحرية- بامرأة تكبره سنا بكثير؟ أيصدق عليه كل ما قالته المفكرة الأستاذة المكلفة؟ أم إن الأمر ههنا -لأنه مصدره المركزية الأوروبية- مختلف ومقبول ومحبذ ومثمن؟ ولا أحسب فكرا تنكر لهويته وأصوله ومرجعيته باسم الاغتراب والحداثة، سيكون أكثر حداثية وتقدمية من ماكرون نفسه؟ إنها مغالطات رجل القش وقد كان هذه المرة امرأة بل.. شبه امرأة!