الأقتصاد المغربي ونقاط الأرتكاز الأساسية نحو مستقبل أفضل
بقلم الدكتور عذاب العزيز الهاشمي
تعتبر المملكة المغربية من الدول الأقتصادية الناهضة التي تتميز بنقاط إرتكاز اقتصادية تشكل لها قوة منافسة دولية وتحقق مستقبل إقتصادي مميز فهي من الدول الصاعدة مثل (البرازيل وروسيا والهند والصين) وبعض الدول الداخلة ضمن مجموعة العشرين مثل تركيا والمكسيك وجنوب افريقيا واندونيسيا والارجنتين وكوريا الجنوبية والمملكة العربية السعودية. وفي سعيه المستمر لمواكبة تغيرات العصر في كافة مجالات الحياة، بدا المغرب في الثمانينات من القرن المنصرم بتوجيه سياساته الاقتصادية الوطنية المنفتحة على مختلف الاقتصاديات العالمية نحو تطبيق نظام الخصخصة .
ويتكون الاقتصاد المغربي من ثلاث قطاعات رئيسية: الزراعة والصناعة والخدمات حيث يشكل القطاع الزراعي نسبة مهمة من اجمالي الناتجي المحلي المغربي تقدر بحوالي 17 % ويشمل القطاع الزراعي الصيد البحري والزراعة التصديرية والفلاحة (كتربية المواشي مثلا). ويساهم الصيد الساحلي من الثروة السمكية بنسبة تقارب 28% من الناتج المحلي الاجمالي للمملكة المغربية ومن اهم المحاصيل الزراعية لاقتصاد المغرب فهي الحمضيات والفاكهة والزيتون والحبوب (كالقمح والذرة والشعير) وقصب السكر والقطاني (كالفول والجلبان والعدس والفاصوليا البيضاء) حيث وتعتبر الزراعة مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل الفردي ,اما الانشطة الصناعية فهي تتوزع على عدة محاور نذكر منها الصناعة الاستخراجية التي تعنى باستخراج المعادن والمياه والطاقة (كإنتاج الكهرباء وتكرير البترول واستخلاص الزيوت الصخرية والطاقة النفطية ومشتقاتها) والصناعة الاستهلاكية (كالمنتجات الغذائية والصناعات السمكية والمشروبات والتبغ) والصناعة التحويلية (كالصناعات الكيماوية وشبه الكيماوية والبتروكيماوية والمعدنية والتعليبية وصناعة النسيج والجلود والورق والورق المقوى ومعدات النقل) والبناء والصادرات والاشغال العامة يساهم قطاع الصناعة بحوالي 35% من الناتج المحلي الاجمالي للمغرب , وبالاضافة الى القطاعات اللوجستية الثلاث التي تشكل بمجملها الدعائم المحورية لاقتصاد المغرب، تعتمد المملكة على مصادر اخرى لجلب سلة متنوعة من العملات الصعبة للخزينة العامة. تشمل هذه المصادر السياحة التي تعتبر احدى القطاعات الاقتصادية الوطنية الواعدة، والاستثمارات الخارجية المباشرة وعائدات الجاليات المغربية المقيمة والعاملة في الخارج من مدخرات الافراد وتحويلاتهم النقدية من العملات الصعبة التي تساهم بدور فاعل ومؤثر في مجمل الجهود التنموية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة (كتشغيل رؤوس الاموال واقامة مشاريع استثمارية وانتاجية مختلفة)، اضافة الى سلة متنوعة من الصادرات المحلية العالية الجودة (كالفوسفات ومشتقاته والملابس الجاهزة والاجزاء الالكترونية كما تتميز المغرب باقتصاد قوي ذي اداء مميز يتسم بمرونة عالية وتنوع كبير ونظام مالي سليم وقطاع مصرفي مستقر, كما يتمتع المغرب بجاذبية كبيرة لمختلف الاستثمارات الاجنبية بفضل السياسات الاقتصادية مثل السياسة المالية والنقدية التي تنتهجها الحكومة المغربية من خلال سن التشريعات التنظيمية والقوانين المحفزة على دعم القطاعات الاقتصادية الانتاجية المادية (الصناعة والزراعة والتصدير) لوجستيا وماليا والاستغلال الامثل لرؤوس الاموال التشغيلية واقامة المشاريع الانتاجية المدرة للدخل القومي والفردي، وصولا بالمحصلة النهائية الى بناء مساحة واسعة من الوظائف وفرص العمل المتنوعة التي من شانها ان تؤدي الى زيادة الدخول الاجمالية للمواطنين والتخفيف من حدة الفقر وخفض معدلات البطالة المرتفعة, ففي هذا الاطار، تمكن المغرب من تحقيق نجاح نوعي ملموس في جذب واستقطاب العديد من الاستثمارات الاجنبية التي وجدت في هذا البلد مناخا مناسبا وتربة خصبة للاستثمار على اراضيه, فقد لمسنا ترجمة حقيقية لهذه الاستثمارات في قطاعات اقتصادية متنوعة شملت صناعة الطائرات وتركيب السفن (الحربية والسلمية على حد سواء) والصناعات الغذائية والاوفشورينغ والنسيج والاتصالات, ومن العوامل اللوجستية التي ساهمت بفاعلية كبيرة في تحقيق نتائج ايجابية في هذا الاتجاه نذكر مثلا التسهيلات المرنة التي وفرتها الدولة للمستثمرين والموقع الاستراتيجي الهام للمملكة (الذي يربط بين القارة الافريقية واوروبا عن طريق مضيق جبل طارق واتقان المغاربة لعدة لغات عالمية مختلفة وتوافر الايدي العاملة المؤهلة والرخيصة. وللاستفادة القصوى من مجمل الفرص الاستثمارية الخارجية التي اتاحتها الاجواء التشجيعية لهذه العوامل مجتمعة، قامت العديد من الشركات الاوروبية الكبرى بتحويل مجموعة واسعة من انشطتهاالانتاجية المختلفة الى المملكة حيث تم توجيه هذه الاستثمارات النوعية واستغلالها بشكل فعال .
ومن جانب اخر تولي الحكومة المغربية اهتماما كبيرا ومميزا بتطوير قطاعات اقتصادية اخرى (كقطاع النفايات المنزلية مثلا)، وذلك من خلال اجراء اصلاحات شاملة على مختلف الاصعدة القانونية والتنظيمية والتشريعية والمؤسسية والمالية والتقنية والبيئية والاجتماعية كما ان الحكومة لا تدخر جهدا في تحقيق الانجازات تلو الانجازات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وذلك من خلال سعيها المتواصل وعملها الدؤوب الجاد لاطلاق برامج اقتصادية متنوعة تهدف الى تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية المحورية المختلفة (مثل الاتصالات والتجهيزات الصناعية والزراعية والبنى التحتية) وتحسين مستوى خدمات وسائل ومرافق النقل من جسور وشبكات طرق برية وسكك حديدية وموانيء (كميناء المحمدية وطنجة والداخلة والناضور) ومطارات (كمطار الدار البيضاء والرباط وفاس واغادير ومراكش وطنجة والعيون). وضمن رؤيتها التطويرية الرامية الى النهوض بالاقتصاد الوطني للبلاد، فقد تبنت الحكومة المغربية سياسات اقتصادية واضحة المعالم تجلت في وضع وتنفيذ مخططات تنموية شاملة تهدف الى العمل على رفع مستوى الأداء للقطاعات الرئيسية الثلاث (الصناعة والزراعة والخدمات) التي تشكل بمجملها العمود الفقري لاقتصاد الدولة من هذه المخططات نذكر مثلا “المخطط الازرق” الذي تم وضعه خصيصا للنهوض بالسياحة و”مخطط الانبثاق” الذي يهدف الى الارتقاء النوعي بالقطاع الصناعي و”المخطط الاخضر” الذي يعنى بتطوير الزراعة وتحسين مستويات الانتاج لهذا القطاع اللوجستي الهام وذلك منذ بداية عام 2010 لغاية الان حيث تشكلت اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال في البلاد، تتبع رئاسة الحكومة، وتختص باقتراح الإجراءات التي من شأنها تحسين المناخ والإطار القانوني للأعمال.
إصلاحات إقتصادية متوازنة
وبحسب بيانات الموازنة لعام 2021، حققت الحكومة تطبيق إصلاح شامل للمراكز الجهوية للاستثمار، وهي مراكز حكومية أنشأت في الأقاليم المغربية الـ12، هدفها مواكبة المستثمرين ومساعدتهم في إقامة مشاريعهم.
وخلال 2021، سعت الحكومة إلى تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي أدرج ضمن الموازنة العامة، ومهمته النهوض بالاستثمار، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى, وكما رصدت الحكومة المغربية 15 مليار درهم (1.6 مليار دولار) للصندوق (تم إطلاقه نهاية يوليو/ تموز الماضي لدعم الاقتصاد جراء تداعيات كورونا) من ميزانية الدولة، بهدف تحفيز الشركاء المغاربة والدوليين.
توقع البنك الدولي، الأربعاء، نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 4.6% خلال 2021، وهي نسبة أفضل من توقعاته السابقة وذكر تقرير البنك الدولي، حول “آفاق الاقتصاد العالمي”، إن توقعاته الحالية أعلى بنسبة 0.1 نقطة مئوية عن تقديرات سابقة بنمو 4.5% كان قد توقعها في أبريل/ نيسان الماضي , ويأخذ توقع البنك بعين الاعتبار، “تحسن ظروف الجفاف في المغرب، واستمرار العمل بالسياسات التيسيرية، وتخفيف القيود المفروضة على التنقلات الداخلية”، بحسب التقريروكما توقعت المؤسسة المالية الدولية، “استقرار نمو الاقتصاد المغربي عند معدل 3,4% عام 2022”.
واخيرا نقول ان هناك مستقبل نوعي ومميز للأقتصاد المغربي ليكون منافسا دوليا مهما ورائدا للتنمية الأقتصادية والأجتماعية ضمن التوجيهات الملكية المتواصلة لتحقيق نموا متوازنا لتحقيق الرفاه الأقتصادي للمجتمع ودروا محفزا للتقدم والأزهار.